التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 26]

قال الله تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم : 26]

تفسير ابن كثير: ( فكلي واشربي وقري عينا ) أي : طيبي نفسا; ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، ثم تلا هذه الآية الكريمة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا شيبان ، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن عروة بن رويم ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وليس من الشجر شيء يلقح غيرها ” . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أطعموا نساءكم الولد الرطب ، فإن لم يكن رطب فتمر ، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران ” .

هذا حديث منكر جدا ، ورواه أبو يعلى ، عن شيبان ، به

وقرأ بعضهم قوله : ” تساقط ” بتشديد السين ، وآخرون بتخفيفها ، وقرأ أبو نهيك : ( تساقط عليك رطبا جنيا ) وروى أبو إسحاق عن البراء : أنه قرأها : ” تساقط ” أي : الجذع . والكل متقارب .

وقوله : ( فإما ترين من البشر أحدا ) أي : مهما رأيت من أحد ، ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) المراد بهذا القول : الإشارة إليه بذلك . لا أن المراد به القول اللفظي ; لئلا ينافي : ( فلن أكلم اليوم إنسيا )

قال أنس بن مالك في قوله : ( إني نذرت للرحمن صوما ) أي : صمتا وكذا قال ابن عباس ، والضحاك . وفي رواية عن أنس : ” صوما وصمتا ” ، وكذا قال قتادة وغيرهما .

والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام ، نص على ذلك السدي ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد .

وقال أبو إسحاق ، عن حارثة قال : كنت عند ابن مسعود ، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ، فقال : ما شأنك ؟ قال أصحابه : حلف ألا يكلم الناس اليوم . فقال عبد الله بن مسعود : كلم الناس وسلم عليهم ، فإنما تلك امرأة علمت أن أحدا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج . يعني بذلك مريم ، عليها السلام; ليكون عذرا لها إذا سئلت . ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .

وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم : ( ألا تحزني ) قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذات زوج ولا مملوكة ، أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام : ( فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) قال : هذا كله من كلام عيسى لأمه . وكذا قال وهب .

التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 25]

قال الله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم : 25]

تفسير ابن كثير: ( وهزي إليك بجذع النخلة ) أي : وخذي إليك بجذع النخلة . قيل : كانت يابسة ، قاله ابن عباس . وقيل : مثمرة . قال مجاهد : كانت عجوة . وقال الثوري ، عن أبي داود نفيع الأعمى : كانت صرفانة

والظاهر أنها كانت شجرة ، ولكن لم تكن في إبان ثمرها ، قاله وهب بن منبه ; ولهذا امتن عليها بذلك ، أن جعل عندها طعاما وشرابا ، فقال : ( تساقط عليك رطبا جنيا)

التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 24]

قال الله تعالى: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم : 24]

تفسير ابن كثير: قرأ بعضهم ) من تحتها ) بمعنى الذي تحتها . وقرأ آخرون : ( من تحتها ) على أنه حرف جر .

واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو ؟ فقال العوفي وغيره ، عن ابن عباس : ( فناداها من تحتها ) جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ، وكذا قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وعمرو بن ميمون ، والسدي ، وقتادة : إنه الملك جبريل عليه الصلاة والسلام ، أي : ناداها من أسفل الوادي .

وقال مجاهد : ( فناداها من تحتها ) قال : عيسى ابن مريم ، وكذا قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة قال : قال الحسن : هو ابنها . وهو إحدى الروايتين عن سعيد بن جبير : أنه ابنها ، قال : أولم تسمع الله يقول : ( فأشارت إليه ) [ مريم : 29 ] ؟ واختاره ابن زيد ، وابن جرير في تفسيره

وقوله : ( ألا تحزني ) أي : ناداها قائلا لا تحزني ، ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال سفيان الثوري وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : الجدول . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : السري : النهر . وبه قال عمرو بن ميمون : نهر تشرب منه .

وقال مجاهد : هو النهر بالسريانية .

وقال سعيد بن جبير : السري : النهر الصغير بالنبطية .

وقال الضحاك : هو النهر الصغير بالسريانية .

وقال إبراهيم النخعي : هو النهر الصغير .

وقال قتادة : هو الجدول بلغة أهل الحجاز .

وقال وهب بن منبه : السري : هو ربيع الماء .

وقال السدي : هو النهر ، واختار هذا القول ابن جرير . وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، فقال الطبراني :

حدثنا أبو شعيب الحراني : حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي حدثنا أيوب بن نهيك ، سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن السري الذي قال الله لمريم : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) نهر أخرجه الله لتشرب منه ” وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه . وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلي قال فيه أبو حاتم الرازي : ضعيف . وقال أبو زرعة : منكر الحديث . وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث .

وقال آخرون : المراد بالسري : عيسى ، عليه السلام ، وبه قال الحسن ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن عباد بن جعفر . وهو إحدى الروايتين عن قتادة ، وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والقول الأول أظهر ; ولهذا قال بعده :

التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 23]

قال الله تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} [مريم : 23]

تفسير ابن كثير: وقوله : ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ) أي : فاضطرها وألجأها الطلق إلى جذع النخلة وهي نخلة في المكان الذي تنحت إليه .

وقد اختلفوا فيه ، فقال السدي : كان شرقي محرابها الذي تصلي فيه من بيت المقدس .

وقال وهب بن منبه : ذهبت هاربة ، فلما كانت بين الشام وبلاد مصر ، ضربها الطلق . وفي رواية عن وهب : كان ذلك على ثمانية أميال من بيت المقدس ، في قرية هناك يقال لها : ” بيت لحم ” .

قلت : وقد تقدم في حديث الإسراء ، من رواية النسائي عن أنس ، رضي الله عنه ، والبيهقي عن شداد بن أوس ، رضي الله عنه : أن ذلك ببيت لحم ، فالله أعلم ، وهذا هو المشهور الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض ، ولا يشك فيه النصارى أنه ببيت لحم ، وقد تلقاه الناس . وقد ورد به الحديث إن صح .

وقوله تعالى إخبارا عنها : ( قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة ، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد ، ولا يصدقونها في خبرها ، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة ، تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية ، فقالت : ( يا ليتني مت قبل هذا ) أي قبل هذا الحال ، ( وكنت نسيا منسيا ) أي لم أخلق ولم أك شيئا . قاله ابن عباس .

وقال السدي : قالت وهي تطلق من الحبل – استحياء من الناس : يا ليتني مت قبل هذا الكرب الذي أنا فيه ، والحزن بولادتي المولود من غير بعل ( وكنت نسيا منسيا ) نسي فترك طلبه ، كخرق الحيض إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر . وكذلك كل شيء نسي وترك فهو نسي .

وقال قتادة : ( وكنت نسيا منسيا ) أي : شيئا لا يعرف ، ولا يذكر ، ولا يدرى من أنا .

وقال الربيع بن أنس : ( وكنت نسيا منسيا ) وهو السقط .

وقال ابن زيد : لم أكن شيئا قط .

وقد قدمنا الأحاديث الدالة على النهي عن تمني الموت إلا عند الفتنة ، عند قوله : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) [ يوسف : 101 ]

التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 22]

قال الله تعالى: {۞ فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} [مريم : 22]

تفسير ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن مريم أنها لما قال لها جبريل عن الله تعالى ما قال : إنها استسلمت لقضاء الله تعالى فذكر غير واحد من علماء السلف أن الملك – وهو جبريل عليه السلام – عند ذلك نفخ في جيب درعها ، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج ، فحملت بالولد بإذن الله تعالى . فلما حملت به ضاقت ذرعا به ولم تدر ماذا تقول للناس ، فإنها تعلم أن الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به ، غير أنها أفشت سرها وذكرت أمرها لأختها امرأة زكريا . وذلك أن زكريا عليه السلام ، كان قد سأل الله الولد ، فأجيب إلى ذلك ، فحملت امرأته ، فدخلت عليها مريم فقامت إليها فاعتنقتها ، وقالت : أشعرت يا مريم أني حبلى ؟ فقالت لها مريم : وهل علمت أيضا أني حبلى ؟ وذكرت لها شأنها وما كان من خبرها وكانوا بيت إيمان وتصديق ، ثم كانت امرأة زكريا بعد ذلك إذا واجهت مريم تجد الذي في جوفها يسجد للذي في بطن مريم ، أي : يعظمه ويخضع له ، فإن السجود كان في ملتهم عند السلام مشروعا ، كما سجد ليوسف أبواه وإخوته ، وكما أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم ، عليه السلام ، ولكن حرم في ملتنا هذه تكميلا لتعظيم جلال الرب تعالى .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين قال : قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم قال : قال مالك رحمه الله : بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا ابنا خالة ، وكان حملهما جميعا معا ، فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم : إني أرى أن ما في بطني يسجد لما في بطنك . قال مالك : أرى ذلك لتفضيل عيسى عليه السلام; لأن الله جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص .

ثم اختلف المفسرون في مدة حمل عيسى عليه السلام فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر . وقال عكرمة : ثمانية أشهر – قال : ولهذا لا يعيش ولد لثمانية أشهر .

وقال ابن جريج : أخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد الله الثقفي ، سمع ابن عباس وسئل عن حبل مريم ، قال : لم يكن إلا أن حملت فوضعت .

وهذا غريب ، وكأنه أخذه من ظاهر قوله تعالى : ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ) فالفاء وإن كانت للتعقيب ، ولكن تعقيب كل شيء بحسبه ، كما قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ) [ المؤمنون : 12 – 14 ] فهذه الفاء للتعقيب بحسبها . وقد ثبت في الصحيحين : أن بين كل صفتين أربعين يوما وقال تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ) [ الحج : 63 ] فالمشهور الظاهر – والله على كل شيء قدير – أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن; ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل عليها وكان معها في المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم معها البيت المقدس ، يقال له : يوسف النجار ، فلما رأى ثقل بطنها وكبره ، أنكر ذلك من أمرها ، ثم صرفه ما يعلم من براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها ، ثم تأمل ما هي فيه ، فجعل أمرها يجوس في فكره ، لا يستطيع صرفه عن نفسه ، فحمل نفسه على أن عرض لها في القول ، فقال : يا مريم ، إني سائلك عن أمر فلا تعجلي علي . قالت : وما هو ؟ قال : هل يكون قط شجر من غير حب ؟ وهل يكون زرع من غير بذر ؟ وهل يكون ولد من غير أب ؟ فقالت : نعم – فهمت ما أشار إليه – أما قولك : ” هل يكون شجر من غير حب وزرع من غير بذر ؟ ” فإن الله قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب ، ولا بذر ” وهل خلق يكون من غير أب ؟ ” فإن الله قد خلق آدم من غير أب ولا أم . فصدقها ، وسلم لها حالها .

ولما استشعرت مريم من قومها اتهامها بالريبة ، انتبذت منهم مكانا قصيا ، أي : قاصيا منهم بعيدا عنهم; لئلا تراهم ولا يروها .

قال محمد بن إسحاق : فلما حملت به وملأت قلتها ورجعت ، استمسك عنها الدم وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب والترحم وتغير اللون ، حتى فطر لسانها ، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل زكريا ، وشاع الحديث في بني إسرائيل ، فقالوا : ” إنما صاحبها يوسف ” ، ولم يكن معها في الكنيسة غيره ، وتوارت من الناس ، واتخذت من دونهم حجابا ، فلا يراها أحد ولا تراه .

التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 21]

قال الله تعالى: {قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} [مريم : 21]

تفسير ابن كثير: ( قال كذلك قال ربك هو علي هين ) أي : فقال لها الملك مجيبا لها عما سألت : إن الله قد قال : إنه سيوجد منك غلاما ، وإن لم يكن لك بعل ولا توجد منك فاحشة ، فإنه على ما يشاء قادر ; ولهذا قال : ( ولنجعله آية للناس ) أي : دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم ، الذي نوع في خلقهم ، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى ، إلا عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر ، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه فلا إله غيره ولا رب سواه .

وقوله : ( ورحمة منا ) أي ونجعل هذا الغلام رحمة من الله نبيا من الأنبياء يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ) [ آل عمران : 45 ، 46 ] أي : يدعو إلى عبادة الله ربه في مهده وكهولته .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحيم بن إبراهيم – دحيم – حدثنا مروان ، حدثنا العلاء بن الحارث الكوفي ، عن مجاهد قال : قالت مريم ، عليها السلام : كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر .

وقوله : ( وكان أمرا مقضيا ) يحتمل أن هذا من كلام جبريل لمريم ، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدره ومشيئته . ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه كنى بهذا عن النفخ في فرجها ، كما قال تعالى : ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ) [ التحريم : 12 ] وقال ( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا ) [ الأنبياء : 91 ]

قال محمد بن إسحاق : ( وكان أمرا مقضيا ) أي : أن الله قد عزم على هذا ، فليس منه بد ، واختار هذا أيضا ابن جرير في تفسيره ، ولم يحك غيره ، والله أعلم .

التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 20]

قال الله تعالى: {قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم : 20]

تفسير ابن كثير: ( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ) أي : فتعجبت مريم من هذا وقالت : كيف يكون لي غلام ؟ أي : على أي صفة يوجد هذا الغلام مني ، ولست بذات زوج ، ولا يتصور مني الفجور ; ولهذا قالت : ( ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ) والبغي : هي الزانية; ولهذا جاء في الحديث : نهي عن مهر البغي .

التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 19]

قال الله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم : 19]

تفسير ابن كثير: وقال : ” إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا ” .

هكذا قرأ أبو عمرو بن العلاء أحد مشهوري القراء . وقرأ الآخرون : ( لأهب لك غلاما زكيا ) وكلا القراءتين له وجه حسن ، ومعنى صحيح ، وكل تستلزم الأخرى .

التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 18]

قال الله تعالى: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} [مريم : 18]

تفسير ابن كثير: ( قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) أي : لما تبدى لها الملك في صورة بشر ، وهي في مكان منفرد وبينها وبين قومها حجاب ، خافته وظنت أنه يريدها على نفسها ، فقالت : ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) أي : إن كنت تخاف الله . تذكير له بالله ، وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل ، فخوفته أولا بالله ، عز وجل .

قال ابن جرير : حدثني أبو كريب ، حدثنا أبو بكر ، عن عاصم قال : قال أبو وائل – وذكر قصة مريم – فقال : قد علمت أن التقي ذو نهية حين قالت : ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك ) أي : فقال لها الملك مجيبا لها ومزيلا ما حصل عندها من الخوف على نفسها : لست مما تظنين ، ولكني رسول ربك ، أي : بعثني إليك ، ويقال : إنها لما ذكرت الرحمن انتفض جبريل فرقا وعاد إلى هيئته

التصنيفات
غير مصنف

تفسير ابن كثير: سورة [مريم : 17]

قال الله تعالى: {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم : 17]

تفسير ابن كثير: وقوله : ( فاتخذت من دونهم حجابا ) أي : استترت منهم وتوارت ، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ( فتمثل لها بشرا سويا ) أي : على صورة إنسان تام كامل .

قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن جريج ووهب بن منبه ، والسدي ، في قوله : ( فأرسلنا إليها روحنا ) يعني : جبريل ، عليه السلام .

وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى : ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193 ، 194 ] .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : إن روح عيسى ، عليه السلام ، من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان آدم ، وهو الذي تمثل لها بشرا سويا ، أي : روح عيسى ، فحملت الذي خاطبها ، وحل في فيها .

وهذا في غاية الغرابة والنكارة ، وكأنه إسرائيلي .