التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [مريم : 18]

قال الله تعالى: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} [مريم : 18]

تفسير السعدي: { إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ ْ} أي. ألتجئ به وأعتصم برحمته، أن تنالني بسوء. { إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ْ} أي: إن كنت تخاف الله، وتعمل بتقواه، فاترك التعرض لي، فجمعت بين الاعتصام بربها، وبين تخويفه وترهيبه، وأمره بلزوم التقوى، وهي في تلك الحالة الخالية، والشباب، والبعد عن الناس، وهو في ذلك الجمال الباهر، والبشرية الكاملة السوية، ولم ينطق لها بسوء، أو يتعرض لها، وإنما ذلك خوف منها، وهذا أبلغ ما يكون من العفة، والبعد عن الشر وأسبابه.

وهذه العفة – خصوصا مع اجتماع الدواعي، وعدم المانع – من أفضل الأعمال.

ولذلك أثنى الله عليها فقال: { وَمَرْيَمَ ابْنَة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ْ} { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ْ} فأعاضها الله بعفتها، ولدا من آيات الله، ورسولا من رسله.

التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [مريم : 17]

قال الله تعالى: {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم : 17]

تفسير السعدي: { فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ْ} أي: سترا ومانعا، وهذا التباعد منها، واتخاذ الحجاب، لتعتزل، وتنفرد بعبادة ربها، وتقنت له في حالة الإخلاص والخضوع والذل لله تعالى، وذلك امتثال منها لقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ْ} وقوله: { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ْ} وهو: جبريل عليه السلام { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ْ} أي: كاملا من الرجال، في صورة جميلة، وهيئة حسنة، لا عيب فيه ولا نقص، لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه، فلما رأته في هذه الحال، وهي معتزلة عن أهلها، منفردة عن الناس، قد اتخذت الحجاب عن أعز الناس عليها وهم أهلها، خافت أن يكون رجلا قد تعرض لها بسوء، وطمع فيها، فاعتصمت بربها، واستعاذت منه

التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [مريم : 16]

قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} [مريم : 16]

تفسير السعدي: لما ذكر قصة زكريا ويحيى، وكانت من الآيات العجيبة، انتقل منها إلى ما هو أعجب منها، تدريجا من الأدنى إلى الأعلى فقال: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ ْ} الكريم { مَرْيَمَ ْ} عليها السلام، وهذا من أعظم فضائلها، أن تذكر في الكتاب العظيم، الذي يتلوه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، تذكر فيه بأحسن الذكر، وأفضل الثناء، جزاء لعملها الفاضل، وسعيها الكامل، أي: واذكر في الكتاب مريم، في حالها الحسنة، حين { انْتَبَذَتْ ْ} أي: تباعدت عن أهلها { مَكَانًا شَرْقِيًّا ْ} أي: مما يلي الشرق عنهم.

التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [المائدة : 116]

قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة : 116]

تفسير السعدي: { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } وهذا توبيخ للنصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، فيقول الله هذا الكلام لعيسى. فيتبرأ عيسى ويقول: { سُبْحَانَكَ } عن هذا الكلام القبيح، وعمّا لا يليق بك. { مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } أي: ما ينبغي لي، ولا يليق أن أقول شيئا ليس من أوصافي ولا من حقوقي، فإنه ليس أحد من المخلوقين، لا الملائكة المقربون ولا الأنبياء المرسلون ولا غيرهم له حق ولا استحقاق لمقام الإلهية وإنما الجميع عباد، مدبرون، وخلق مسخرون، وفقراء عاجزون { إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } فأنت أعلم بما صدر مني و { إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } وهذا من كمال أدب المسيح عليه الصلاة والسلام في خطابه لربه، فلم يقل عليه السلام: “لم أقل شيئا من ذلك” وإنما أخبر بكلام ينفي عن نفسه أن يقول كل مقالة تنافي منصبه الشريف، وأن هذا من الأمور المحالة، ونزه ربه عن ذلك أتم تنزيه، ورد العلم إلى عالم الغيب والشهادة.

التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [المائدة : 110]

قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [المائدة : 110]

تفسير السعدي: { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ } أي: اذكرها بقلبك ولسانك، وقم بواجبها شكرا لربك، حيث أنعم عليك نعما ما أنعم بها على غيرك. { إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي: إذ قويتك بالروح والوحي، الذي طهرك وزكاك، وصار لك قوة على القيام بأمر الله والدعوة إلى سبيله. وقيل: إن المراد “بروح القدس” جبريل عليه السلام، وأن الله أعانه به وبملازمته له، وتثبيته في المواطن المشقة. { تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا } المراد بالتكليم هنا، غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام، وإنما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب، وهو الدعوة إلى الله. ولعيسى عليه السلام من ذلك، ما لإخوانه من أولي العزم من المرسلين، من التكليم في حال الكهولة، بالرسالة والدعوة إلى الخير، والنهي عن الشر، وامتاز عنهم بأنه كلم الناس في المهد، فقال: { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } الآية. { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } فالكتاب يشمل الكتب السابقة، وخصوصا التوراة، فإنه من أعلم أنبياء بني إسرائيل -بعد موسى- بها. ويشمل الإنجيل الذي أنزله الله عليه. والحكمة هي: معرفة أسرار الشرع وفوائده وحكمه، وحسن الدعوة والتعليم، ومراعاة ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي. { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ } أي: طيرا مصورا لا روح فيه. فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وتبرئ الأكمه الذي لا بصر له ولا عين. { وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي } فهذه آيات بيِّنَات، ومعجزات باهرات، يعجز عنها الأطباء وغيرهم، أيد الله بها عيسى وقوى بها دعوته. { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ } لما جاءهم الحق مؤيدا بالبينات الموجبة للإيمان به. { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } وهموا بعيسى أن يقتلوه، وسعوا في ذلك، فكفَّ الله أيديهم عنه، وحفظه منهم وعصمه. فهذه مِنَنٌ امتَنَّ الله بها على عبده ورسوله عيسى ابن مريم، ودعاه إلى شكرها والقيام بها، فقام بها عليه السلام أتم القيام، وصبر كما صبر إخوانه من أولي العزم.

التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [المائدة : 75]

قال الله تعالى: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [المائدة : 75]

تفسير السعدي: ثم ذكر حقيقة المسيح وأُمِّه، الذي هو الحق، فقال: { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ْ} أي: هذا غايته ومنتهى أمره، أنه من عباد الله المرسلين، الذين ليس لهم من الأمر ولا من التشريع، إلا ما أرسلهم به الله، وهو من جنس الرسل قبله، لا مزية له عليهم تخرجه عن البشرية إلى مرتبة الربوبية. { وَأُمَّهُ ْ} مريم { صِدِّيقَةٌ ْ} أي: هذا أيضا غايتها، أن كانت من الصديقين الذين هم أعلى الخلق رتبة بعد الأنبياء. والصديقية، هي العلم النافع المثمر لليقين، والعمل الصالح. وهذا دليل على أن مريم لم تكن نبية، بل أعلى أحوالها الصديقية، وكفى بذلك فضلا وشرفا. وكذلك سائر النساء لم يكن منهن نبية، لأن الله تعالى جعل النبوة في أكمل الصنفين، في الرجال كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ْ} فإذا كان عيسى عليه السلام من جنس الأنبياء والرسل من قبله، وأمه صديقة، فلأي شيء اتخذهما النصارى إلهين مع الله؟ وقوله: { كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ْ} دليل ظاهر على أنهما عبدان فقيران، محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب، فلو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، فإن الإله هو الغني الحميد. ولما بين تعالى البرهان قال: { انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ْ} الموضحة للحق، الكاشفة لليقين، ومع هذا لا تفيد فيهم شيئا، بل لا يزالون على إفكهم وكذبهم وافترائهم، وذلك ظلم وعناد منهم.

التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [المائدة : 17]

قال الله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة : 17]

تفسير السعدي: لما ذكر تعالى أخذ الميثاق على أهل الكتابين، وأنهم لم يقوموا به بل نقضوه، ذكر أقوالهم الشنيعة. فذكر قول النصارى، القول الذي ما قاله أحد غيرهم، بأن الله هو المسيح ابن مريم، ووجه شبهتهم أنه ولد من غير أب، فاعتقدوا فيه هذا الاعتقاد الباطل مع أن حواء نظيره، خُلِقَت بلا أم، وآدم أولى منه، خلق بلا أب ولا أم، فهلا ادعوا فيهما الإلهية كما ادعوها في المسيح؟ فدل على أن قولهم اتباع هوى من غير برهان ولا شبهة. فرد الله عليهم بأدلة عقلية واضحة فقال: { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } فإذا كان المذكورون لا امتناع عندهم يمنعهم لو أراد الله أن يهلكهم، ولا قدرة لهم على ذلك – دل على بطلان إلهية من لا يمتنع من الإهلاك، ولا في قوته شيء من الفكاك. ومن الأدلة أن { لِلَّهِ } وحده { مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } يتصرف فيهم بحكمه الكوني والشرعي والجزائي، وهم مملوكون مدبرون، فهل يليق أن يكون المملوك العبد الفقير، إلها معبودا غنيا من كل وجه؟ هذا من أعظم المحال. ولا وجه لاستغرابهم لخلق المسيح عيسى ابن مريم من غير أب، فإن الله { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } إن شاء من أب وأم، كسائر بني آدم، وإن شاء من أب بلا أم، كحواء. وإن شاء من أم بلا أب، كعيسى. وإن شاء من غير أب ولا أم [كآدم] فنوع خليقته تعالى بمشيئته النافذة، التي لا يستعصي عليها شيء، ولهذا قال: { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [النساء : 171]

قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء : 171]

تفسير السعدي: ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو في الدين وهو مجاوزة الحد والقدر المشروع إلى ما ليس بمشروع. وذلك كقول النصارى في غلوهم بعيسى عليه السلام، ورفعه عن مقام النبوة والرسالة إلى مقام الربوبية الذي لا يليق بغير الله، فكما أن التقصير والتفريط من المنهيات، فالغلو كذلك، ولهذا قال: { وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ } وهذا الكلام يتضمن ثلاثة أشياء: أمرين منهي عنهما، وهما قول الكذب على الله، والقول بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه ورسله، والثالث: مأمور به وهو قول الحق في هذه الأمور. ولما كانت هذه قاعدة عامة كلية، وكان السياق في شأن عيسى عليه السلام نصَّ على قول الحق فيه، المخالف لطريقة اليهودية والنصرانية فقال: { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ } أي: غاية المسيح عليه السلام ومنتهى ما يصل إليه من مراتب الكمال أعلى حالة تكون للمخلوقين، وهي درجة الرسالة التي هي أعلى الدرجات وأجلّ المثوبات. وأنه { كَلِمَتُهُ } التي { أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ } أي: كلمة تكلم الله بها فكان بها عيسى، ولم يكن تلك الكلمة، وإنما كان بها، وهذا من باب إضافة التشريف والتكريم. وكذلك قوله: { وَرُوحٌ مّنْهُ } أي: من الأرواح التي خلقها وكملها بالصفات الفاضلة والأخلاق الكاملة، أرسل الله روحه جبريل عليه السلام فنفخ في فرج مريم عليها السلام، فحملت بإذن الله بعيسى عليه السلام. فلما بيّن حقيقة عيسى عليه السلام، أمر أهل الكتاب بالإيمان به وبرسله، ونهاهم أن يجعلوا الله ثالث ثلاثة أحدهم عيسى، والثاني مريم، فهذه مقالة النصارى قبحهم الله. فأمرهم أن ينتهوا، وأخبر أن ذلك خير لهم، لأنه الذي يتعين أنه سبيل النجاة، وما سواه فهو طريق الهلاك، ثم نزه نفسه عن الشريك والولد فقال: { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ } أي: هو المنفرد بالألوهية، الذي لا تنبغي العبادة إلا له. { سُبْحَانَهُ } أي: تنزه وتقدس { أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } لأن { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } فالكل مملوكون له مفتقرون إليه، فمحال أن يكون له شريك منهم أو ولد. ولما أخبر أنه المالك للعالم العلوي والسفلي أخبر أنه قائم بمصالحهم الدنيوية والأخروية وحافظها، ومجازيهم عليها تعالى.

التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [النساء : 156]

قال الله تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء : 156]

تفسير السعدي: تفسير الايات 152 حتى 159 :ـ هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد والاقتراح، وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم. وهو أنهم سألوه أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل، وهذا غاية الظلم منهم والجهل، فإن الرسول بشر عبد مدبر، ليس في يده من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول، لما ذكر الآيات التي فيها اقتراح المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم، { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا } وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل مجرد إنزال الكتاب جملة أو مفرقا، مجرد دعوى لا دليل عليها ولا مناسبة، بل ولا شبهة، فمن أين يوجد في نبوة أحد من الأنبياء أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه؟ بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الأحوال مما يدل على عظمته واعتناء الله بمن أنزل عليه، كما قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } فلما ذكر اعتراضهم الفاسد أخبر أنه ليس بغريب من أمرهم، بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ما هو أعظم مما سلكوه مع الرسول الذي يزعمون أنهم آمنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا، واتخاذهم العجل إلهًا يعبدونه، من بعد ما رأوا من الآيات بأبصارهم ما لم يره غيرهم. ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم وهو التوراة، حتى رفع الطور من فوق رءوسهم وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا أسقط عليهم، فقبلوا ذلك على وجه الإغماض والإيمان الشبيه بالإيمان الضروري. ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين، فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة. وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بآيات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم: إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه، والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل شُبِّه لهم غيره، فقتلوا غيره وصلبوه. وادعائهم أن قلوبهم غلف لا تفقه ما تقول لهم ولا تفهمه، وبصدهم الناس عن سبيل الله، فصدوهم عن الحق، ودعوهم إلى ما هم عليه من الضلال والغي. وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فيه. فالذين فعلوا هذه الأفاعيل لا يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول محمدا أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة الخصم المبطل، وهو أنه إذا صدر منه من الاعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حاله الخبيثة وأفعاله الشنيعة ما هو من أقبح ما صدر منه، ليعلم كل أحد أن هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس، وأن له مقدمات يُجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله أو ما هو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم، وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وما هو أقوى منها، دالة ومقررة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع، بل أشار إليها، وأحال على مواضعها وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها. وقوله: { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } يحتمل أن الضمير هنا في قوله: { قَبْلَ مَوْتِهِ } يعود إلى أهل الكتاب، فيكون على هذا كل كتابي يحضره الموت ويعاين الأمر حقيقة، فإنه يؤمن بعيسى عليه السلام ولكنه إيمان لا ينفع، إيمان اضطرار، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد، وأن لا يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم، فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟” ويحتمل أن الضمير في قوله: { قَبْلَ مَوْتِهِ } راجع إلى عيسى عليه السلام، فيكون المعنى: وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالمسيح عليه السلام قبل موت المسيح، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور علاماتها الكبار. فإنه تكاثرت الأحاديث الصحيحة في نزوله عليه السلام في آخر هذه الأمة. يقتل الدجال، ويضع الجزية، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا، يشهد عليهم بأعمالهم، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا؟ وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه، مما هو مخالف لشريعة القرآن وَلِمَا دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم، علمنا بذلك، لِعِلْمِنَا بكمال عدالة المسيح عليه السلام وصدقه، وأنه لا يشهد إلا بالحق، إلا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضلال وباطل.

التصنيفات
غير مصنف

تفسير السعدي: سورة [آل عمران : 48]

قال الله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ} [آل عمران : 48]

تفسير السعدي: ثم أخبر تعالى عن منته العظيمة على عبده ورسوله عيسى عليه السلام، فقال { ويعلمه الكتاب } يحتمل أن يكون المراد جنس الكتاب، فيكون ذكر التوراة والإنجيل تخصيصا لهما، لشرفهما وفضلهما واحتوائهما على الأحكام والشرائع التي يحكم بها أنبياء بني إسرائيل والتعليم، لذلك يدخل فيه تعليم ألفاظه ومعانيه، ويحتمل أن يكون المراد بقوله { ويعلمه الكتاب } أي: الكتابة، لأن الكتابة من أعظم نعم الله على عباده ولهذا امتن تعالى على عباده بتعليمهم بالقلم في أول سورة أنزلها فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم } والمراد بالحكمة معرفة أسرار الشرع، ووضع الأشياء مواضعها، فيكون ذلك امتنانا على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتابة والعلم والحكمة، وهذا هو الكمال للإنسان في نفسه.