تفسير القرطبي - سورة الكوثر الآية 1 | مريم ابنت عمران عليها السلام للقرآن الكريم

تفسير القرطبي - سورة الكوثر - الآية 1

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) (الكوثر) mp3
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر " قِرَاءَة الْعَامَّة . " إِنَّا أَعْطَيْنَاك " بِالْعَيْنِ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف : " أَنْطَيْنَاك " بِالنُّونِ ; وَرَوَتْهُ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَهِيَ لُغَة فِي الْعَطَاء ; أَنْطَيْته : أَعْطَيْته . و " الْكَوْثَر " : فَوْعَل مِنْ الْكَثْرَة ; مِثْل النَّوْفَل مِنْ النَّفْل , وَالْجَوْهَر مِنْ الْجَهْر . وَالْعَرَب تُسَمِّي كُلّ شَيْء كَثِير فِي الْعَدَد وَالْقَدْر وَالْخَطَر كَوْثَرًا . قَالَ سُفْيَان : قِيلَ لِعَجُوزٍ رَجَعَ اِبْنهَا مِنْ السَّفَر : بِمَ آبَ اِبْنك ؟ قَالَتْ بِكَوْثَر ; أَيْ بِمَالٍ كَثِير . وَالْكَوْثَر مِنْ الرِّجَال : السَّيِّد الْكَثِير الْخَيْر . قَالَ الْكُمَيْت : وَأَنْتَ كَثِير يَا بْن مَرْوَان طَيِّب وَكَانَ أَبُوك اِبْن الْعَقَائِل كَوْثَرَا وَالْكَوْثَر : الْعَدَد الْكَثِير مِنْ الْأَصْحَاب وَالْأَشْيَاع . وَالْكَوْثَر مِنْ الْغُبَار : الْكَثِير . وَقَدْ تَكَوْثَرَ إِذَا كَثُرَ ; قَالَ الشَّاعِر : وَقَدْ ثَارَ نَقْع الْمَوْت حَتَّى تَكَوْثَرَا الثَّانِيَة : وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكَوْثَر الَّذِي أُعْطِيَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِتَّة عَشَرَ قَوْلًا : الْأَوَّل : أَنَّهُ نَهَر فِي الْجَنَّة ; رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ أَيْضًا عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْكَوْثَر : نَهَر فِي الْجَنَّة , حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَب , وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرّ وَالْيَاقُوت , تُرْبَته أَطْيَب مِنْ الْمِسْك , وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ الْعَسَل وَأَبْيَض مِنْ الثَّلْج ) . هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . الثَّانِي : أَنَّهُ حَوْض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْقِف ; قَالَهُ عَطَاء . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَة , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا : مَا أَضْحَكَك يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَة - فَقَرَأَ - بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم : " إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر . فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ . إِنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَر " - ثُمَّ قَالَ - أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَر ؟ . قُلْنَا اللَّه وَرَسُول أَعْلَم . قَالَ : فَإِنَّهُ نَهَر وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ , عَلَيْهِ خَيْر كَثِير هُوَ حَوْض تَرِد عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْم الْقِيَامَة آنِيَته عَدَد النُّجُوم , فَيُخْتَلَج الْعَبْد مِنْهُمْ فَأَقُول إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي , فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدك . وَالْأَخْبَار فِي حَوْضه فِي الْمَوْقِف كَثِيرَة , ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " . وَأَنَّ عَلَى أَرْكَانه الْأَرْبَعَة خُلَفَاءَهُ الْأَرْبَعَة ; رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ . وَأَنَّ مَنْ أَبْغَضَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَمْ يَسْقِهِ الْآخَر , وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَنْ يَطَّرِد عَنْهُ . فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوف عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلَهُ هُنَاكَ . ثُمَّ يَجُوز أَنْ يُسَمَّى ذَلِكَ النَّهَر أَوْ الْحَوْض كَوْثَرًا , لِكَثْرَةِ الْوَارِدَة وَالشَّارِبَة مِنْ أُمَّة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام هُنَاكَ . وَيُسَمَّى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْر الْكَثِير وَالْمَاء الْكَثِير . الثَّالِث : أَنَّ الْكَوْثَر النُّبُوَّة وَالْكِتَاب ; قَالَهُ عِكْرِمَة . الرَّابِع : الْقُرْآن ; قَالَهُ الْحَسَن . الْخَامِس : الْإِسْلَام ; حَكَاهُ الْمُغِيرَة . السَّادِس : تَيْسِير الْقُرْآن وَتَخْفِيف الشَّرَائِع ; قَالَهُ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل . السَّابِع : هُوَ كَثْرَة الْأَصْحَاب وَالْأُمَّة وَالْأَشْيَاع ; قَالَهُ أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش وَيَمَان بْن رِئَاب . الثَّامِن : أَنَّهُ الْإِيثَار ; قَالَهُ اِبْن كَيْسَان . التَّاسِع : أَنَّهُ رِفْعَة الذِّكْر . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . الْعَاشِر : أَنَّهُ نُور فِي قَلْبك دَلَّك عَلَيَّ , وَقَطَعَك عَمَّا سِوَايَ . وَعَنْهُ : هُوَ الشَّفَاعَة ; وَهُوَ الْحَادِي عَشَرَ . وَقِيلَ : مُعْجِزَات الرَّبّ هُدِيَ بِهَا أَهْل الْإِجَابَة لِدَعْوَتِك ; حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ , وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ . الثَّالِث عَشَرَ : قَالَ هِلَال بْن يَسَاف : هُوَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه . وَقِيلَ : الْفِقْه فِي الدِّين . وَقِيلَ : الصَّلَوَات الْخَمْس ; وَهُمَا الرَّابِع عَشَرَ وَالْخَامِس عَشَرَ . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : هُوَ الْعَظِيم مِنْ الْأَمْر ; وَذَكَرَ بَيْت لَبِيد : وَصَاحِب مَلْحُوب فُجِعْنَا بِفَقْدِهِ وَعِنْد الرَّدَاع بَيْت آخَر كَوْثَر أَيْ عَظِيم .

قُلْت : أَصَحّ هَذِهِ الْأَقْوَال الْأَوَّل وَالثَّانِي ; لِأَنَّهُ ثَابِت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصّ فِي الْكَوْثَر . وَسَمِعَ أَنَس قَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَوْض فَقَالَ : مَا كُنْت أَرَى أَنْ أَعِيش حَتَّى أَرَى أَمْثَالكُمْ يَتَمَارَوْنَ فِي الْحَوْض , لَقَدْ تَرَكْت عَجَائِز خَلْفِي , مَا تُصَلِّي اِمْرَأَة مِنْهُنَّ إِلَّا سَأَلَتْ اللَّه أَنْ يَسْقِيهَا مِنْ حَوْض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي حَوْضه يَقُول الشَّاعِر : يَا صَاحِب الْحَوْض مَنْ يُدَانِيكَا وَأَنْتَ حَقًّا حَبِيب بَارِيكَا وَجَمِيع مَا قِيلَ بَعْد ذَلِكَ فِي تَفْسِيره قَدْ أُعْطِيَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِيَادَة عَلَى حَوْضه , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الصحيح المسند من أسباب النزول

    الصحيح المسند من أسباب النزول: بحثٌ مُقدَّم للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد نفع الله به وأصبحَ مرجعًا في علم أسباب النزول، قال الشيخ - رحمه الله -: «وكنتُ في حالة تأليفه قد ذكرتُ بعضَ الأحاديث التابعة لحديث الباب بدون سندٍ، فأحببتُ في هذه الطبعة أن أذكر أسانيد ما تيسَّر لي، وكان هناك أحاديث ربما ذكرتُ الشاهدَ منها، فعزمتُ على ذكر الحديث بتمامه. أما ذكرُ الحديث بتمامه فلما فيه من الفوائد، وأما ذكرُ السند فإن علماءَنا - رحمهم الله تعالى - كانوا لا يقبَلون الحديثَ إلا بسنده ...».

    http://www.islamhouse.com/p/380507

    التحميل:

  • كيف تربي ولدك؟

    كيف تربي ولدك : فإن الأمة الإسلامية بحاجة ماسة للموضوعات التربوية لتعود إلى سابق مجدها، ومن أهمها (تربية الولد) وتكمن أهمية الموضوع في أنه محاولة لتقديم نموذج عملي قابل للتطبيق، وأنه مستمد من الوحيين وكتابات المفكرين، يعتمد الإيجاز ويتوخى سهولة العبارة ووضوح الأسلوب. ومع وفرة الكتب التربوية إلا أن وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عملت على نشر هذه الرسالة لغايات منها: أن تكون صغيرة الحجم، سهلة الأسلوب، منبثقة من منهج الإسلام في التربية، قابلة للتطبيق، لأن الكتب التربوية قد تقدم نظريات مجرّدة، آو تجمع نصوصاً من الوحيين مع تعليقات يسيرة، وبعضها يذكر تطبيقات تربوية ولكن يعزف عنها القراء لطولها إذ يبلغ بعضها المئات.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    http://www.islamhouse.com/p/117070

    التحميل:

  • آية التطهير وعلاقتها بعصمة الأئمة

    آية التطهير وعلاقتها بعصمة الأئمة : فإن الشيعة تعتقد بـعصمة مجموعة من الأشخاص تسميهم الأئمة، وهذه العقيدة هي أساس الدين عندهم، وقد احتجوا لعقيدتهم هذه ببعض آيات من القرآن الكريم، أقواها دلالة عندهم وأكثرها تداولاً على ألسنتهم جزء من آية أطلقوا عليه اسم [ آية التطهير ]، وهي آخر قوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } (الأحزاب:33). وقد ألفت هذه الرسالة المختصرة أناقش فيها مناقشة علمية هادئة علاقة هذه الآية بتلك العقيدة، متبعاً فيها المنهج القرآني في طرحه لأصول العقيدة وإثباتها.

    http://www.islamhouse.com/p/137711

    التحميل:

  • النحو الواضح في قواعد اللغة العربية

    النحو الواضح في قواعد اللغة العربية: قال المؤلفان: « .. وقد نحونا في هذا الكتاب طريقة الاستنباط التي هي أكثر طرق التعليم قربًا إلى عقول الأطفال، وأثبتها أثرًا في نفوسهم، وأقربها إلى المنطق؛ لأنها خيرُ دافعٍ إلى التفكير والبحث، وتعرّف وجوه المُشابهة والمُخالفة بين الأشباه والأضداد؛ فقد أكثرنا من الأمثلة التي تستنبط منها القواعد، على طرازٍ حديثٍ لم يسبق له مثال .. ».

    http://www.islamhouse.com/p/371026

    التحميل:

  • أذكار طرفي النهار

    أذكار طرفي النهار : رسالة صغيرة في 32 صفحة طبعت عام 1415هـ سرد فيها ورد طرفي النهار مجرداً من التخريج بعد أن قدم له بمقدمة ذكر فيها أنه اقتصر على خمسة عشر حديثاً صحيحاُ وهي التي اقتصر عليها الشيخ ابن باز - رحمه الله - في كتابه تحفة الأخيار.

    الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع بالرياض

    http://www.islamhouse.com/p/2461

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة