تفسير ابن كثر - سورة البقرة الآية 286 | مريم ابنت عمران عليها السلام للقرآن الكريم

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 286

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) (البقرة) mp3
قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ سِنَان عَنْ حَكِيم عَنْ جَابِر قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " آمَنَ الرَّسُول بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّه وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْ رُسُله وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانك رَبّنَا وَإِلَيْك الْمَصِير " قَالَ جِبْرِيل إِنَّ اللَّه قَدْ أَحْسَنَ الثَّنَاء عَلَيْك وَعَلَى أُمَّتك فَسَلْ تُعْطَهُ فَسَأَلَ " لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا " إِلَى آخِر الْآيَة . وَقَوْله " لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا " أَيْ لَا يُكَلَّف أَحَد فَوْق طَاقَته وَهَذَا مِنْ لُطْفه تَعَالَى بِخَلْقِهِ وَرَأْفَته بِهِمْ وَإِحْسَانه إِلَيْهِمْ وَهَذِهِ هِيَ النَّاسِخَة الرَّافِعَة لِمَا كَانَ أَشْفَقَ مِنْهُ الصَّحَابَة فِي قَوْله " وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ اللَّه " أَيْ هُوَ وَإِنْ حَاسَبَ وَسَأَلَ لَكِنْ لَا يُعَذِّب إِلَّا بِمَا يَمْلِك الشَّخْص دَفْعه فَأَمَّا مَا لَا يَمْلِك دَفْعه مِنْ وَسْوَسَة النَّفْس وَحَدِيثهَا فَهَذَا لَا يُكَلَّف بِهِ الْإِنْسَان وَكَرَاهِيَة الْوَسْوَسَة السَّيِّئَة مِنْ الْإِيمَان وَقَوْله " لَهَا مَا كَسَبَتْ " أَيْ مِنْ خَيْر " وَعَلَيْهَا مَا اِكْتَسَبَتْ " أَيْ مِنْ شَرّ وَذَلِكَ فِي الْأَعْمَال الَّتِي تَدْخُل تَحْت التَّكْلِيف. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُرْشِدًا عِبَاده إِلَى سُؤَاله وَقَدْ تَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْإِجَابَةِ كَمَا أَرْشَدَهُمْ وَعَلَّمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا" رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا " أَيْ إِنْ تَرَكْنَا فَرْضًا عَلَى جِهَة النِّسْيَان أَوْ فَعَلْنَا حَرَامًا كَذَلِكَ أَوْ أَخْطَأْنَا أَيْ الصَّوَاب فِي الْعَمَل جَهْلًا مِنَّا بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : " قَالَ اللَّه نَعَمْ " وَلِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس قَالَ اللَّه " قَدْ فَعَلْت " وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ عَنْ عَطَاء قَالَ اِبْن مَاجَهْ فِي رِوَايَته عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ وَابْن حِبَّان عَنْ عَطَاء عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِنَّ اللَّه وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيق آخَر وَأَعَلَّهُ أَحْمَد وَأَبُو حَاتِم وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ عَنْ شَهْر عَنْ أُمّ الدَّرْدَاء عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ ثَلَاث عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَان وَالِاسْتِكْرَاه" قَالَ أَبُو بَكْر فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْحَسَنِ فَقَالَ : أَجَلْ أَمَا تَقْرَأ بِذَلِكَ قُرْآنًا " رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا " . وَقَوْله " رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا " أَيْ لَا تُكَلِّفنَا مِنْ الْأَعْمَال الشَّاقَّة وَإِنْ أَطَقْنَاهَا كَمَا شَرَعْته لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَة قَبْلنَا مِنْ الْأَغْلَال وَالْآصَار الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ الَّتِي بَعَثْت نَبِيّك مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيّ الرَّحْمَة بِوَضْعِهِ فِي شَرْعه الَّذِي أَرْسَلْته بِهِ مِنْ الدِّين الْحَنِيفِيّ السَّهْل السَّمْح وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " قَالَ اللَّه نَعَمْ " وَعَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " قَالَ اللَّه قَدْ فَعَلْت " وَجَاءَ فِي الْحَدِيث مِنْ طُرُق عَنْ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ " بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَة " . وَقَوْله " رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ " أَيْ مِنْ التَّكْلِيف وَالْمَصَائِب وَالْبَلَاء لَا تَبْتَلِنَا بِمَا لَا قِبَل لَنَا بِهِ وَقَدْ قَالَ مَكْحُول فِي قَوْله " رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة لَنَا بِهِ " قَالَ الْعُزْبَة وَالْغُلْمَة رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم قَالَ اللَّه نَعَمْ وَفِي الْحَدِيث الْآخَر قَالَ اللَّه قَدْ فَعَلْت . وَقَوْله " وَاعْفُ عَنَّا " أَيْ فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنك مِمَّا تَعْلَمهُ مِنْ تَقْصِيرنَا وَزَلَلنَا " وَاغْفِرْ لَنَا " أَيْ فِيمَا بَيْننَا وَبَيْن عِبَادك فَلَا تُظْهِرهُمْ عَلَى مَسَاوِينَا وَأَعْمَالنَا الْقَبِيحَة " وَارْحَمْنَا" أَيْ فِيمَا يُسْتَقْبَل فَلَا تُوقِعنَا بِتَوْفِيقِك فِي ذَنْب آخَر وَلِهَذَا قَالُوا إِنَّ الْمُذْنِب مُحْتَاج إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء أَنْ يَعْفُو اللَّه عَنْهُ فِيمَا بَيْنه وَبَيْنه وَأَنْ يَسْتُرهُ عَنْ عِبَاده فَلَا يَفْضَحهُ بِهِ بَيْنهمْ وَأَنْ يَعْصِمهُ فَلَا يُوقِعهُ فِي نَظِيره . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث أَنَّ اللَّه قَالَ نَعَمْ وَفِي الْحَدِيث الْآخَر قَالَ اللَّه " قَدْ فَعَلْت ". وَقَوْله " أَنْتَ مَوْلَانَا " أَيْ أَنْتَ وَلِيّنَا وَنَاصِرنَا وَعَلَيْك تَوَكَّلْنَا وَأَنْتَ الْمُسْتَعَان وَعَلَيْك التُّكْلَان وَلَا حَوْل لَنَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِك " فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ " أَيْ الَّذِينَ جَحَدُوا دِينك وَأَنْكَرُوا وَحْدَانِيّتك وَرِسَالَة نَبِيّك وَعَبَدُوا غَيْرك وَأَشْرَكُوا مَعَك مِنْ عِبَادك فَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ وَاجْعَلْ لَنَا الْعَاقِبَة عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ اللَّه نَعَمْ . وَفِي الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ اللَّه : " قَدْ فَعَلْت ". وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنِي مُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ أَبِي إِسْحَاق أَنَّ مُعَاذًا - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ السُّورَة" اُنْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ " قَالَ آمِينَ وَرَوَاهُ وَكِيع عَنْ سُفْيَان عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ رَجُل عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَتَمَ الْبَقَرَة قَالَ آمِينَ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • افتراءات المنصرين على القرآن أنه يؤيد زعم ألوهية المسيح عليه السلام

    افتراءات المنصرين على القرآن أنه يؤيد زعم ألوهية المسيح عليه السلام [ دراسة نقدية ] : في هذا الكتاب يرد الكاتب على المنصرين من جهتين: إسلامية (من خلال القرآن وما يرتبط بذلك )، ونصرانية ( من خلال التوراة والأناجيل ) لرد دعوى النصارى على القرآن وفق منهج يبين كذبهم على كتاب الله ويلزمهم في الوقت نفسه من خلال مسلماتهم بما يدل عليه القرآن المهيمن على ما قبله من الكتاب.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    http://www.islamhouse.com/p/90689

    التحميل:

  • التعريف بسور القرآن الكريم

    التعريف بسور القرآن الكريم : ملف chm يحتوي على بيان سبب تسمية كل سورة، والتعريف بها، ومحور مواضيعها، وسبب نزولها، وفضلها. وننبه على أن هناك بعض الأحاديث في الكتاب ضعيفة، لذا يمكن البحث في موقع الدرر السنية للتأكد من صحة الأحاديث.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    http://www.islamhouse.com/p/141505

    التحميل:

  • كتاب التوحيد

    كتاب التوحيد: مما لا شك فيه أن علم العقيدة الإسلامية هو العلم الأساسي الذي تجدر العناية به تعلما وتعليما وعملا - بموجبه لتكون الأعمال صحيحة مقبولة عند الله نافعة للعاملين، خصوصا وأننا في زمان كثرت فيه التيارات المنحرفة: تيار الإلحاد، وتيار التصوف والرهبنة، وتيار القبورية الوثنية، وتيار البدع المخالفة للهدي النبوي. وكلها تيارات خطيرة ما لم يكن المسلم مسلحا بسلاح العقيدة الصحيحة المرتكزة على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة؛ فإنه حري أن تجرفه تلك التيارات المضلة، وهذا مما يستدعي العناية التامة بتعليم العقيدة الصحيحة لأبناء المسلم أن من مصادرها الأصيلة؛ لذا فهذا كتاب في علم التوحيد، راعى فيه المصنف - حفظه الله - الاختصار مع سهولة العبارة، وقد اقتبسه من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام - ولا سيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب العلامة ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من أئمة الدعوة المباركة - رحمهم الله -.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    http://www.islamhouse.com/p/75915

    التحميل:

  • من وصايا الآباء والأمهات للبنين والبنات

    هذه الرسالة تحتوي على ما تيسر من وصايا الآباء والأمهات للبنين والبنات.

    http://www.islamhouse.com/p/209200

    التحميل:

  • هل العهد الجديد كلمة الله؟

    هل العهد الجديد كلمة الله؟ : المسيحية تؤمن أن أسفار العهد الجديد هي كلمة الله التي كتبها رجال الله القديسون بإلهام من الروح القدس، وفي هذه الرسالة إجابة على هذا السؤال هل تؤيد الشواهد العلمية والأدلة التاريخية بل والنصوص الكتابية، ما قاله القرآن عن تحريف هذه الكتب وزور نسبتها إلى الله أم أن العهد الجديد سلم من التحريف والتبديل والعبث البشري كما يؤمن النصارى؟

    http://www.islamhouse.com/p/228824

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة