تفسير ابن كثر - سورة النور الآية 58 | مريم ابنت عمران عليها السلام للقرآن الكريم

تفسير ابن كثر - سورة النور - الآية 58

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) (النور) mp3
هَذِهِ الْآيَات الْكَرِيمَة اِشْتَمَلَتْ عَلَى اِسْتِئْذَان الْأَقَارِب بَعْضهمْ عَلَى بَعْض وَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّل السُّورَة فَهُوَ اِسْتِئْذَان الْأَجَانِب بَعْضهمَا عَلَى بَعْض فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَأْذِنهُمْ خَدَمَهُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ وَأَطْفَالهمْ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْهُمْ فِي ثَلَاثَة أَحْوَال " الْأَوَّل " مِنْ قَبْل صَلَاة الْغَدَاة لِأَنَّ النَّاس إِذْ ذَاكَ يَكُونُونَ نِيَامًا فِي فُرُشهمْ " وَحِين تَضَعُونَ ثِيَابكُمْ مِنْ الظَّهِيرَة " أَيْ فِي وَقْت الْقَيْلُولَة لِأَنَّ الْإِنْسَان قَدْ يَضَع ثِيَابه فِي تِلْكَ الْحَال مَعَ أَهْله " وَمِنْ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء " لِأَنَّهُ وَقْت النَّوْم فَيُؤْمَر الْخَدَم وَالْأَطْفَال أَنْ لَا يَهْجُمُوا عَلَى أَهْل الْبَيْت فِي هَذِهِ الْأَحْوَال لِمَا يُخْشَى أَنْ يَكُون الرَّجُل عَلَى أَهْله أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَال وَلِهَذَا قَالَ " ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاح بَعْدهنَّ " أَيْ إِذَا دَخَلُوا فِي حَال غَيْر هَذِهِ الْأَحْوَال فَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ فِي تَمْكِينكُمْ إِيَّاهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ إِنْ رَأَوْا شَيْئًا مِنْ غَيْر تِلْكَ الْأَحْوَال لِأَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْهُجُوم وَلِأَنَّهُمْ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ أَيْ فِي الْخِدْمَة وَغَيْر ذَلِكَ . وَيُغْتَفَر فِي الطَّوَّافِينَ مَا لَا يُغْتَفَر فِي غَيْرهمْ وَلِهَذَا رَوَى الْإِمَام مَالِك وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَأَهْل السُّنَن أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْهِرَّة : " إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إِنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ وَالطَّوَّافَات " وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَة مُحْكَمَة وَلَمْ تُنْسَخ بِشَيْءٍ وَكَانَ عَمَل النَّاس بِهَا قَلِيلًا جِدًّا أَنْكَرَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس ذَلِكَ عَلَى النَّاس كَمَا قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه بْن بُكَيْر حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة حَدَّثَنِي عَطَاء بْن دِينَار عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس تَرَكَ النَّاس ثَلَاث آيَات فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " إِلَى آخِر الْآيَة وَالْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء " وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَة أُولُوا الْقُرْبَى " الْآيَة وَالْآيَة الَّتِي فِي الْحُجُرَات " إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ " وَفِي لَفْظ لَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم وَهُوَ ضَعِيف عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : غَلَبَ الشَّيْطَان النَّاس عَلَى ثَلَاث آيَات فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " إِلَى آخِر الْآيَة وَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا اِبْن الصَّبَّاح وَابْن سُفْيَان وَابْن عَبْدَة وَهَذَا حَدِيثه أَخْبَرَنَا سُفْيَان عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : لَمْ يُؤْمِن بِهَا أَكْثَر النَّاس : آيَة الْإِذْن وَإِنِّي لَآمُر جَارِيَتِي هَذِهِ تَسْتَأْذِن عَلَيَّ قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس يَأْمُر بِهِ وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة سَأَلْت الشَّعْبِيّ " لِيَسْتَأْذِنكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " قَالَ : لَمْ تُنْسَخ قُلْت فَإِنَّ النَّاس لَا يَعْمَلُونَ بِهَا فَقَالَ : اللَّه الْمُسْتَعَان وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان بْن بِلَال عَنْ عَمْرو بْن أَبِي عَمْرو عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَجُلَيْنِ سَأَلَاهُ عَنْ الِاسْتِئْذَان فِي الثَّلَاث عَوْرَات الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِهَا فِي الْقُرْآن فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " إِنَّ اللَّه سِتِّير يُحِبّ السَّتْر كَانَ النَّاس لَيْسَ لَهُمْ سُطُور عَلَى أَبْوَابهمْ وَلَا حِجَال فِي بُيُوتهمْ فَرُبَّمَا فَاجَأَ الرَّجُل خَادِمه أَوْ وَلَده أَوْ يَتِيمه فِي حِجْره وَهُوَ عَلَى أَهْله فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَسْتَأْذِنُوا فِي تِلْكَ الْعَوْرَات الَّتِي سَمَّى اللَّه ثُمَّ جَاءَ اللَّه بَعْد بِالسُّتُورِ فَبَسَطَ اللَّه عَلَيْهِمْ الرِّزْق فَاِتَّخَذُوا السُّتُور وَاِتَّخَذُوا الْحِجَال فَرَأَى النَّاس أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَفَاهُمْ مِنْ الِاسْتِئْذَان الَّذِي أُمِرُوا بِهِ " وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَى اِبْن عَبَّاس وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيّ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيّ عَنْ عَمْرو بْن أَبِي عَمْرو بِهِ : وَقَالَ السُّدِّيّ كَانَ أُنَاس مِنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُوَاقِعُوا نِسَاءَهُمْ فِي هَذِهِ السَّاعَات لِيَغْتَسِلُوا ثُمَّ يَخْرُجُوا إِلَى الصَّلَاة فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَأْمُرُوا الْمَمْلُوكِينَ وَالْغِلْمَان أَنْ لَا يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ السَّاعَات إِلَّا بِإِذْنٍ وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : بَلَغَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار وَامْرَأَته أَسْمَاء بِنْت مَرْثَد صَنَعَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَجَعَلَ النَّاس يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ إِذْن : فَقَالَتْ أَسْمَاء يَا رَسُول اللَّه مَا أَقْبَح هَذَا إِنَّهُ لَيَدْخُل عَلَى الْمَرْأَة وَزَوْجهَا وَهُمَا فِي ثَوْب وَاحِد غُلَامهمَا بِغَيْرِ إِذْن فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " إِلَى آخِرهَا وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا مُحْكَمَة لَمْ تُنْسَخ قَوْله " كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ الْآيَات وَاَللَّه حَكِيم عَلِيم " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الفتوى الحموية الكبرى

    الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى : رسالة عظيمة في تقرير مذهب السلف في صفات الله - جل وعلا - كتبها سنة (698هـ) جواباً لسؤال ورد عليه من حماة هو: « ما قول السادة الفقهاء أئمة الدين في آيات الصفات كقوله تعالى: ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ وقوله ( ثم استوى على العرش ) وقوله تعالى: ﴿ ثم استوى إلى السماء وهي دخان ﴾ إلى غير ذلك من الآيات، وأحاديث الصفات كقوله - صلى الله عليه وسلم - { إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن } وقوله - صلى الله عليه وسلم - { يضع الجبار قدمه في النار } إلى غير ذلك، وما قالت العلماء فيه، وابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى ».

    المدقق/المراجع: حمد بن عبد المحسن التويجري

    الناشر: دار الصميعي للنشر والتوزيع

    http://www.islamhouse.com/p/322183

    التحميل:

  • تمام الآلاء في سيرة سيد الشهداء

    تمام الآلاء في سيرة سيد الشهداء: إن الأمة الإسلامية اليوم وهي تمر بأشد حالاتها من الضعف والمحاربة من أعداء الله تعالى لهي في أمس الحاجة إلى استلهام القدوة والسير على خطى أولئك الأوائل من المؤمنين الصادقين من أمثال سيد الشهداء، حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

    الناشر: مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    http://www.islamhouse.com/p/59957

    التحميل:

  • تعرف على الإسلام

    تعرف على الإسلام : هذا الكتاب دعوة للتأمل في تعاليم الإسلام، مع كشف حقيقة ما يردده البعض عن اتهام الإسلام بالإرهاب والحض على الكراهية، وبأنه ظلم المرأة وعطل طاقتها.

    http://www.islamhouse.com/p/172991

    التحميل:

  • الأصول الشرعية عند حلول الشبهات

    الأصول الشرعية عند حلول الشبهات : أصل هذا المؤلف كلمة لمعالي الوزير موجهة إلى طلاب العلم والدعاة والوعاظ والخطباء والمرشدين بالوزارة في الرياض في شعبان 1422 هـ.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    http://www.islamhouse.com/p/167472

    التحميل:

  • إرهاب المستأمنين وموقف الإسلام منه

    إرهاب المستأمنين وموقف الإسلام منه: يحتوي هذا الكتاب على المباحث الآتية: - المبحث الأول: تعريف الإرهاب وتحريمه في الإسلام. - المبحث الثاني: تعريف الأمان وأركانه وصيغه. - المبحث الثالث: الأدلة على مشروعية الأمان من الكتاب والسنة. - المبحث الرابع: الفرق بين الأمان والذمة والهدنة. - المبحث الخامس: الواجب على المسلمين تجاه المستأمنين. - المبحث السادس: الواجب على المستأمنين في بلاد المسلمين.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    http://www.islamhouse.com/p/116850

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة